هذا كتاب "المستظهرى" في الرد على الباطنية أو "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية" لأبي حامد الغزالي ، ينشر كاملاً لأول مرة ، إذ لم ينشر منه قبل اليوم غير قطع منه تعادل ثلثه ، نشرها جولد تسيهر سنة ١٩١٦ ( في ليدن ، عند الناشر بريل ) وقدم لها بالألمانية بمقدمة مستفيضة تنقسم قسمين : الأول مدخل يتناول تأليف الكتاب وسوابق التأليف في بابه ، والثانى تحليل المضمون الكتاب كله .
وفي المدخل يبدأ جولد تسيهر بالحديث عن فكرة التقليد في الإسلام ، ويشير إلى أن هذه الفكرة هي مركز هجوم الغزالى على الباطنية ، ومنها يخلص إلى فكرة التعليم من الإمام المعصوم ، التي قالت بها الباطنية . وفي الفصل 4 من هذا المدخل يذكر من سبق الغزالى إلى التأليف في الرد على الباطنية . فيذكر أولاً الكتاب الذي ردّ فيه أبو عبدالله بن رزام على الاسماعيلية ( راجع ( الفهرست » لابن النديم ص ١٨٦ س ٢٤ ؛ والمقريزي ، نشرة بونتس ص ۱۲ س (۳ ) . وهذا المؤلف لا يعرف تاريخ حياته ، لكن من المؤكد أنه لا يتجاوز بداية القرن الرابع الهجرى . وفي نهاية هذا القرن الرابع كتب سعد بن محمد أبو عثمان الغساني القيرواني النحوى كتاباً في الرد على الملحدين . ثم جاء أبو بكر الباقلاني ( المتوفي سنة ٤٠٣ هـ - ١٠١٢ م ) فألف كتاب « كشف الأسرار وهتك الأستار » في الرد على الباطنية . وهنا تثور مشكلة خطيرة وهي أنه ورد في طبعة ( إحياء علوم الدين » للغزالى ( ج ۲ ص ۱۳۰ س (۱۱) النص التالى : ( وقد ذكرنا في كتاب المستظهرى [ المستنبط من كتاب « كشف الأسرار وهتك الأستار » تأليف القاضي أبي الطيب في الرد على أصناف الروافض من الباطنية ] ما يشير إلى وجه المصلحة فيه » - وهذا نص خطير، معناه : أن كتاب «المستظهرى» مستنبط من كتاب الباقلاني هذا . وجولد تسيهر يرى أن هذه السرقة الفاضحة لا يمكن أن يرتكبها الغزالى ، لأن الغزالي كتب بعد الباقلاني بمائة سنة ، وإذا فكتب الباقلاني كانت معروفة متداولة ؛ وفضلاً عن ذلك فإن الغزالى لم يذكر في « المستظهرى » أنه أخذ شيئاً من كتاب الباقلاني ؛ كذلك يعلن الغزالي عن عدم رضاه عما كتبه أسلافه في هذا الموضوع ، و "باقلانى من بينهم . يضاف إلى هذا أن رد الغزالي يتركز على ناحية في مذهب الباطنية لم تتجل إلا بعد وفاة الباقلاني ، وهي مسألة التعليم من الإمام المعصوم ، ولهذا يستبعد جولد تسيهر أن يكون قد اعتمد على الباقلاني.
وقبل الخليفة المستظهر بقرابة قرن من الزمان كتب على ابن سعيد الاصطخرى المعتزلى ردا على الباطنية أهداه إلى الخليفة القادر ، الذى كافأه عليه بوقف حبسه من بعده على بنيه .
وفي الوقت نفسه ألف معتزلى آخر ، هي إسماعيل بن أحمد البستي ، كتاباً بعنوان : « كشف أسرار الباطنية » من نسخة في حوزة ا . جرفينى في ميلانو ، الذي كان أول من اكتشف وجود هذه المخطوطة.
كذلك يذكر من بين أسلاف الغزلي في هذا الباب ثابت ابن أسلم النحوى ، وكان شيعياً يعمل في خزانة صاحب حلب ، كشف فيه عن بداية الدعوة الاسماعيلية وقبائح هذه الفرقة ؛ لكن أبناء هذه الفرقة انتقموا منه فاختطفوه إلى مصر حيث صلبوه في حدود سنة ٤٦٠ه .
وفي الفصل الخامس من هذا المدخل يبين جولد تسيهر الظروف التي دعت الغزالى إلى تأليف هذا الكتاب ، وهى استفحال أمر الدعوة الباطنية على يد الفاطميين الذين بثوا الدعاة في أرجاء بلاد الخلافة دعوة للخليفة الفاطمي المستنصر ، وتأليباً على الخليفة العباسي المستظهر بالله . ثم ما جرى على يد الباطنية من إرهاب وسفك للدماءويختم المدخل ببيان مكانة هذا الكتاب بين كتب الغزالي الأخرى في الرد على الباطنية .
وكتاب "المستظهرى" هو أول كتاب رد به الغزالى على الباطنية من بين كتبه في هذا الموضوع . فقد ذكر في « المنقذ من الضلال ) وهو يتحدث عن موقفه من التعليمية ( الباطنية ) ما يلي :
وليس المقصود الآن بيان فساد مذهبهم فقد ذكرت ذلك في كتاب « المستظهرى أولا ؛ وفي كتاب « حجة الحق » ثانياً ، وهو جواب كلام لهم عرض على ببغداد ؛ وفي كتاب « مفصل الخلاف » - الذى هو اثنا عشر فصلاً .ثالثاً ، وهو جواب كلام عرض على بهمدان ؛ وفي كتاب الدرج المرقوم بالجداول ( رابعاً ، وهو من ركيك كلامهم الذي عرض على بطوس ؛ وفي كتاب « القسطاس المستقيم » خامساً ، وهو كتاب مستقل" بنفسه ، مقصوده بیان ميزان العلوم ، وإظهار الاستغناء عن الإمام المعصوم لمن أحاط به » . [ ص ١١٨ ؛ دمشق ١٩٣٤ م ] .
ويضاف إلى هذه الكتب :
۱ - « قواصم الباطنية » - راجع ما قلناه ما قلناه عنه في « مؤلفات الغزالي » ص ٨٦ .
٢ - جواب المسائل الأربع التي سألها الباطنية بهمدان وهو غير كتاب ( مفصل الخلاف » ، وقد نشر في مجلة المنار » (عدد ۲۹ شعبان سنة ١٣٢٦ هـ = ٢٥ سبتمبر سنة ١٩٠٨ ) المجلد ١١ ص ٦٠١ - ص ٦٠٨ ؛ راجع كتابنا مؤلفات الغزالي » ص ۱۳۲ ١٣٤
ولم يبق لدينا من هذه الكتب غير ثلاث :
( ا ) ( المستظهرى » ؛ (ب) » القسطاس المستقيم » ؛( ح ) ( جواب المسائل الأربع » .
والذين أشاروا إلى هذا الكتاب ، « المستظهرى » ، بعدالغزالي قليلون ؛ نذكر منهم :
(ا) محيي الدين بن عربى ( المتوفي سنة ٦٣٨ هـ١٢٤٠ م ) في ( الفتوحات المكية » ( ح ١ ص ٣٣٤ س ٨ من أسفل ) فقال :
و نبغت طائفة ثالثة ضلت وأضلت ؛ فأخذت الأحكام الشرعية وصرفتها في بواطنهم ، وما تركت من حكم الشريعة في الظواهر شيئاً ، تسمى الباطنية ، وهم في ذلك على مذاهب مختلفة . وقد ذكر الإمام أبو حامد في كتاب المستظهرى » له في الرد عليهم شيئاً من مذاهبهم وبين خطأهم فيها » .
(ب) شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوى ( المتوفي سنة ٩٠٢ هـ = ١٤٩٦ م ) في كتابه « الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ » ( ص ٤٩ – ص ٥٠ ؛ القاهرة سنة ١٣٤٩ ) ونقل منه ( قوله في الباب الأول من كتابه فضائح الباطنية ( إنه طالع الكتب المصنفة في هذا الفن فصادفها مشحونة بفنين من الكلام : فن في تواريخ أخبارهم وحكاية أحوالهم . . » .
أما كتاب ( قواعد عقائد آل محمد » لمحمد بن الحسن الدیلمی ( نشره ر . شتر وطمان في استانبول ، مطبعة الدولة ، سنة ١٩٣٨ ) الذي عقد فصلاً في « بيان مذهب الباطنية وبطلانه » ( ص ۱۸ ٣٩ ) فلا يشير إلى « المستظهرى » ولا إلى كتب الغزالى الأخرى في الرد على الباطنية ، ولا ينقل كلاماً بحروفه عن الغزالى ، بل اعتمد على مصادر غيره ؛ ولم يشر في هذا الفصل إلى كتاب للغزالي غير « التهافت » .
الرد على كتاب المستظهرى
وقد رد أحد الدعاة الفاطميين القائمين باليمن ، وهو الداعي : على بن محمد بن الوليد ( المتوفي سنة ٦١٢ ه -١٢١٥ م ) ، على كتاب « المستظهرى » بكتاب عنوانه : دامغ الباطل وحتف المناضل » . وقد بذلنا جهدنا للحصول على نسخة منه أثناء مقامنا بالهند في يناير سنة ١٩٦٤ لدى رجال الطائفة الاسماعيلية ، فلم نظفر بها حتى الآن . وكنا نود أن نورد رده ، أو أن نحلله على أقل تقدير . فإلى أن يتيسر لنا الظفر بنسخة منه نرجيء الحديث عنه .
ولا شك أن ثمت ردوداً أخرى في ثنايا كتب الاسماعيلية لكن ضن رجال هذه الطائفة بكتبهم لم ييسر الاطلاع عليها حتى اليوم .
الظروف السياسية
والداعي الأهم إلى تأليف الغزالي لهذا الكتاب هو كما قلنا استفحال أمر الباطنية، وبث دعاة الاسماعيلية من قبل الدولة الفاطمية في مصر للدعوة إلى الخليفة الفاطمي « المستنصر بالله » ضد الخليفة العباسي «المستظهر بالله » .
ولهذا استهدف الغزالى من هذا الكتاب هدفين : إظهار فضائح الباطنية ، وهو أمر يتعلق بالعقيدة ؛ وبيان فضائل المستظهرية ، أى خلافة المستظهر بالله العباسي ، وهو أمر يتعلق بالسياسة ومن هنا جاءت تسمية الكتاب بـ « المستظهرى » في « فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية » أما المستظهر بالله فهو : أبو العباس أحمد بن المقتدى بالله عبدالله بن الأمير محمد بن القاسم العباسي . ولد في شوال سنة له عند موت أبيه سنة ٤٨٧ هـ وله ست عشرة وبويع له . سنة ، ووزر له عميد الدولة : أبو منصور بن جهير ، وسديد الملك أبو المعالى المفضل بن عبد الرزاق الأصبهاني ، وزعيم الرؤساء - أبو القاسم بن جهير ، ومجد الدين – أبو المعالى هبة الله ابن المطلب ، ونظام الدين أبو منصور الحسين بن محمد . و ناب عن الوزارة أمين الدولة - أبو سعد بن الموصلايا ، وقاضي القضاة - أبو الحسن على بن الدامغانى . ومضى في أيامه ثلاثة سلاطين خطب لهم بالحضرة ، وهم : تاج الدولة تتش ابن ألب أرسلان ، والسلطان بركيارق ومحمد ابنا ملكشاه » ( ابن الأثير في حوادث سنة ٥١٢ ه ج ١٠ ص ١٨٨ ).
وفي أيامه قويت شوكة الباطنية ، فتولى السلاجقة إخضاعهم خصوصاً في أصبهان وأعمالها ، وقد لجأوا خصوصاً إلى الاغتيالات الفردية . فقتلوا نظام الملك ، « أتاه شاب صوفي الشكل من الباطنية ليلة عاشر رمضان [ سنة خمس وثمانين وأربعمائة ] فناوله قصة ثم ضربه بسكين في صدره فقضى عليه » ( « شذرات الذهب » لابن العماد ۳ ص ۳۷۳ ) ؛ وقتلوا بهمذان قاضي قضاة أصبهان عبيد الله بن على الخطيبي ؛ وقتلوا بأصبهان - يوم عيد الفطر - أبا العلاء : صاعد بن محمد البخارى الحنفى المفتى ؛ وقتلوا بجامع آمل - يوم الجمعة في المحرم - فخر الإسلام القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الرويانى شيخ الشافعية - وكل ذلك في سنة ٥٠٢ هـ وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين ، وخافهم كل أمير وعالم لهجومهم على الناس » ( « شذرات الذهب » ج ٤ ص ٤ ) . وكانوا عضداً في النزاع السياسي بين بركيارق والسلطان محمد ، فاستعان بهم برکيارق أولاً في قتل من يريد قتله من الأمراء ، مثل أنز ، شحنة أصبهان ، وأرغش ، وغيرهم . فأمنوا جانبه وانتشروا في عسكره وأغروا الناس ببدعتهم ، وتجاوزوا إلى التهديد عليها ، حتى خافهم أعيان العسكر . وصار بركيارق يصرفهم على أعدائه ، والناس يتهمونه بالميل إليهم . فاجتمع أهل الدولة وعذلوا بركيارق في ذلك ، فقبل نصيحتهم ، وأمر بقتل الباطنية حيث كانوا . فقتلوا وشردوا كل مشرد » (تاريخ ابن خلدون ، ج ٥ ص ٢٦ ؛ طبعة بولاق ) . وفي سنة ٥٠٠ قتلوا فخر الملك بن نظام الملك.
وتوفي المستظهر بالله في السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة ٥١٢ ، وعمره أربعون سنة وستة أشهر وستة أيام ، وخلافته أربع وعشرون سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً . وكان الأمر في عهده للسلاجقة ، ولم يكن له من السلطان شيء .
فالغزالى في ردوده على الباطنية ، التي بدأها بكتابنا هذا ، إنما قصد أو قصد له أن يناضل الباطنية من حيث المذهب ، كما كان أمراء السلاجقة يكافحونها من حيث السلطان السياسي
وكان الغزالى على وعى تام بخطر الباطنية على الإسلام ، ولهذا كان هجومه عليهم عنيفاً مخلصاً متحمساً ؛ بينما جاء الفصل الخاص بـ « إقامة البراهين الشرعية على أن القائم بالحق والواجب على الخلق طاعته في عصرنا هذا هو الإمام المستظهر بالله » ، وهو الفصل التاسع ، جاء ضعيفاً لا يتناسب في قوة حجاجه مع قوة حجاج الفصول الأخرى
قيم الكتاب:
💬 التعليقات
شاركنا برأيك عن الكتاب في قسم التعليقات أدناه. نريد أن نسمع منك! 😊
0 تعليقات